نصر روسي يفرض نفسه وارتداداته في شرقنا."
في هذا اللقاء يُقدّم د.عوض قراءةً جيو-سياسية تحليلية مركّبة تربط بين:
- مؤشرات ذات طابع تأسيسي تمثل إرهاصات ونذر في الشام، وذلك بعد ما حصل في تدمر.
- تغيّرات القوى الإقليمية
وتأثيرات النظام الدولي بعد الحرب الأوكرانية.
ويتناول هذا التحولات الجيوسياسية الجارية في الشام ضمن سياق إقليمي ودولي أوسع، مع التركيز على مفهوم “الذروة والانحسار” في مسارات الصراع والنفوذ. كما يناقش محدودية فعالية السلطة الانتقالية المحلية، ويربط بين التطورات الميدانية في المشرق العربي وبين مآلات الحرب الأوكرانية وانعكاساتها على موازين القوى الدولية، ولا سيما الدور الروسي. ويخلص إلى أن ما تشهده المنطقة ليس حدثًا معزولًا، بل جزء من إعادة تشكّل النظام الدولي وانعكاساته المباشرة على الشرق الأوسط.
أولًا: الشام بين الحدث المحلي والتحول البنيوي
تمثّل التطورات الميدانية الأخيرة في الشام من خلال ما حصل في تدمر مؤشرات على تحوّل بنيوي في طبيعة المسار، حيث لم تعد الأحداث تُقرأ بوصفها معارك منفصلة، بل كعلامات على تغيّر في ميزان القوى تمثل نذر وارهاصات دالة. ويعكس هذا التحول تراجع قدرة بعض الفاعلين المحليين على فرض وقائع مستدامة، والعوامل الخارجية والارتدادات الدولية في رسم المسارات السياسية والأمنية التي يرى د.عوض أن الشام ستكون مقتلة مشروعها التجاري والاحتلالي. وذلك في مقابل صعود وعودة الروح الشامية الأصيلة عبر المقارنة بين حدثي بيت جن وتدمر. ويرى د.عوض أن ما حصل في تدمر وإن كان بيد من هم تحت مسمى الإرهاب الدولي والجماعات المتشددة إلا أن الشام التي تفرض هويتها تاريخيا على كل محتل ومعتد قادرة على تغيير أنماط الاستهداف الذي تمارسه هذه المجموعات.
ثانيًا: محدودية السلطة الانتقالية وهامشيتها السياسية وعجزها السيادي
من خلال سؤال " وماذا تفعل القوات الأمريكية في تدمر؟" يكشف د.عوض أن السلطة الانتقالية في الشام تعاني من ضعف بنيوي في الشرعية والقدرة، ما جعل سوريا مساحة مفتوحة أمام كل وأي قوى ومجانا". ويؤكد هذا الواقع أن هذه السلطات ليست فاعلًا مستقلًا، بل إطارًا مؤقتًا مرتبطًا بتوازنات خارجية قابلة للتبدّل، الأمر الذي يحدّ من قدرتها على إنتاج استقرار أو فرض حلول طويلة الأمد بل ويجعلها الأداة لترسيخ واقع التبعية والاحتلال والتمدد الأمريكي والتركي والإسرائيلي والإسلامي المتشدد.
ثالثًا: منطق الذروة والانحسار
يتابع الكاتب والباحث ميخائيل عوض إن ما حصل في تدمر يكشف لنا ماذا كان يفعل الجولاني في واشنطن؛ ولماذا كل هذا الهراء الإعلامي بدعمه؟ إنه السيطرة غير المشروطة وحرية الحركة وإقامة القواعد في أهم المناطق الجيوسياسية في سوريا. فتدمر ليست بادية لأرض صحراء بل منجم للثروات النادرة وموقع جغرافي حاكم. ويلفت إلى الإصرار الروسي على تحريرها مرتين والاحتفاظ بقواعد عسكرية روسية متقدمة فيها إضافة إلى وجود مخابئ لمعدات لتستخدم في الحرب النووية منذ أسسها السوفييت.
لتأتي حادثة تدمر التي نفذها ذئب منفرد فتقلب المعطيات وتعيد إلى الواجهة حقيقة أن ليس كل مخطط قابل للتطبيق؛ وأن الدول الغاصبة تمتلك حرية أن تضع السيناريوهات لكنها حكما مكبلة بحتميات التاريخ وطبائع الشام عندما تكون أرض المؤامرة عمود السماء الذي يهتز ولا يقع.
وبالاعتماد على فرضية أن الصراعات تمرّ بدورات تصاعدية تصل إلى ذروتها، ثم تبدأ مرحلة الانحسار. وفي هذا الإطار، يُفهم ما يجري في الشام كمرحلة ما بعد الذروة، حيث تتراجع قدرة القوى المتدخلة على تحقيق مكاسب إضافية، وتبدأ عملية إعادة التموضع السياسي والعسكري. ويُعدّ هذا المنطق أداة تفسيرية لفهم التحولات الجارية بعيدًا عن القراءات الانفعالية أو اللحظية.
رابعًا: الحرب الأوكرانية وانعكاساتها على الشرق الأوسط
لا يمكن فصل التحولات في الشام عن السياق الدولي الأوسع، ولا سيما الحرب في أوكرانيا. فمع اقتراب هذه الحرب من مراحلها الحاسمة بنصر روسي مفروض، تبرز احتمالية إعادة توزيع النفوذ العالمي، بما يمنح روسيا موقعًا سياديًا أقوى. وتنعكس هذه التحولات على الشرق الأوسط، الذي يُعدّ ساحة تفاعل مباشر بين القوى الكبرى، ما يفسّر تصاعد تأثير العوامل الدولية في مسارات الصراع الإقليمي.
خاتمة
يخلص د عوض إلى أن التحولات الجارية في الشام تمثّل جزءًا من إعادة تشكّل أوسع في النظامين الإقليمي والدولي. فضعف السلطة الانتقالية، وتراجع زخم الصراعات بعد الذروة، واقتراب نهاية الحرب الأوكرانية، كلها عوامل متداخلة تعيد رسم موازين القوى. ومن هنا، فإن فهم مستقبل الشام يتطلّب قراءة استراتيجية تربط المحلي بالدولي، وتتعامل مع الأحداث بوصفها انعكاسًا لتحولات بنيوية لا مجرد تطورات ظرفية.
بتاريخ: 16.12.25
لمتابعة الحلقة كاملة على الرابط
https://youtu.be/LQcJXflMmGw?si=voDkrKX1Mb1VO9b